2010/10/26

سفينة نوح

ذكرت قصة النبي نوح عليه السلام في الكتب السماوية (التوراة والأنجيل والقرآن)، ولقد فصل القرآن الكريم هذه القصة في سورة خاصة أسمها سورة نوح. وكذلك في عدد من الآيات البينات من القرآن من سور آخرى بينت بداية بعثته إلى قومه وتكذيبهم إياه ثم صبره عليهم في دعوته لمدة 950 عاما حتى الطوفان، كما بين ذلك القرآن في سورة العنكبوت بقوله:(( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ))، [العنكبوت : 14].
وقد أثبت علمياًُ أن الإنسان الأول كان أطول قامة وأطول عمراً من إنساننا الحالي لأسباب يطول شرحها.

ولقد حاول النبي نوح طيلة هذه الفترة الطويلة أن يقنع قومه بعبادة الله وكانوا من أهل العراق القديم، ودعاهم إلى خالقهم ورازقهم ولكنهم صدوه وحاربوه وأستهزئوا به وبأصحابه فحذرهم من عاقبة أمرهم هذا : ((قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ))،[هود : 32]. وأستمر صابراً عليهم حتى أوحي إليه أنه لا أمل فيهم: ((وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ))، [هود : 36].

فدعا عليه السلام ربه أن ينصره عليهم : ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ))، [القمر : 9].
((قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً ))، [نوح : 21].
((وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ))، [نوح : 26].
فأوحى الله إليه أن ابني وأصنع سفينة ، فكلما مر عليه قومه أستهزئوا به ولكنه توعدهم بالندم على ما يفعلون: ((وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ))، [هود : 37، 38].
واوحى إليه الله سبحانه أنه سيحصل طوفانا يغرق كل شيء، وإن عليه أن يحمل أهله إلا إمرأته وأبنه ، ويجمع اصحابه ومن المخلوقات كل زوجين اثنين فإذا استقر عليها حمد الله وشكره على فضله بنجاتهم من غضبه على القوم الكافرين :
((فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ، فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))، [المؤمنون : 27، 28].وحصل الطوفان الهائل الذي غطى منطقة ما بين النهرين بأسرها وغرق القوم وهم يستنجدون بعد أن أيقنوا بصدق ما جاءهم به نوح عليه السلام ولكن بعد فوات الأوان، وقد أثبتت البحوث الآثارية والجيولوجية في المنطقة والتي قامت بها عدة فرق علمية أستكشافية من مختلف دول العالم من أن الطمى والغرين في المنطقة يدلل من غير أي شك على حصول طوفان عظيم في الحقبة السومرية من تأريخ العراق القديم. وبعد انتهاء الأمر جاء أمر الله تعالى بتوقف تدفق الماء من السماء ومن الأرض ، فأستوت السفينة على جبل الجودي وهبط منها النبي نوح عليه السلام ومن معه لتبدأ البشرية رحلة جديدة وبنفس القانون الالهي الذي لا يتغير، هذا ما نص عليه القرآن الكريم: (( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))، [هود : 44]. ...(( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ))، [هود : 48]. هذه تفاصيل ذكرت بعضها في الكتب السماوية الأخرى ولكن ليس بهذا الأسلوب الرائع وهذه الدقة ، فمثلاً ذكر العهد القديم أن السفينة أستقرت على جبل آرارات الواقع شرق الأناضول والذي يقطنه أغلبية من الأرمن، من سكان تركيا الحالية ، بينما صرح القرآن الكريم أن الجبل هو الجودي والذي يقع في جنوب شرق الأناضول وكما سنوضح بالخرائط والصور ، وهنا يبرز سؤالين مهمين:
1- أيهما أدق ؟
2- هل هناك أختلاف والكتابين من عند الله تعالى؟
قامت عدة فرق بحثية علمية من مختلف الجنسيات العالمية تدين الديانة النصرانية بتتبع هذه المسألة حتى حصل الأكتشاف الذي حيرهم. إذ أكتشفوا أن سفينة نوح عليه السلام وجدت لها آثار فوق جبل في تركيا ولكنه ليس جبل آرارات بل إنه جبل آخر أسمه جبل (الجودي) ، فتحيروا وزادت حيرتهم وغضبهم معاً عندما علموا أن القرآن قد صرح بهذا قبل مئات السنين ، بل وأكد على أن السفينة بقيت وستبقى آية ودليل على صدق القرآن وقدرة الله في تعذيب الأقوام المكذبة والجاحدة ، فهل من معتبر؟. ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ، وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ))، [القمر : 9-15].
فسأل سائل من هذه الفرق البحثية وقال: (ما هذا القرآن ؟) ، فأجابه أحد القساوسة أنه كتاب أكتتبه رجل أدعى النبوة في جزيرة العرب أخذ كلامه من الأنجيل ، فزاد عجب الرجل ، إذ كيف يأخذه من الأنجيل وماموجود فيه بخصوص سفينة نوح بخلاف الواقع الذي توصلوا إليه بالبحث المضني، بينما كان القرآن دقيقاً في تحديد الواقعة والمكان، كيف يمكن لرجل من أهل الصحراء أن يعلم كل هذا العلم إذن؟
فكان هذا الرد البسيط من هذا الرجل أبلغ رد على من لا يعرف حقيقة التوحيد وعظمة الرسول ويدعي أنه قد أختط القرآن بيده (حاشاه)، ناسخاً من أحبار اليهود وقساوسة ورهبان النصارى ، إنه وحي الله تعالى وعلمه الأزلي بالأشياء ، إنه كتاب الله المعجز الذي لا يعتريه التحريف لأنه في حفظ الله وصونه الذي قال عنهم: (( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً))، [النساء : 82]. ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ))،[النحل : 103]. ((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ))، [العنكبوت : 48].


الصور ادناه توضح المنطقة وآثارها والتي رست فيها سفينة نوح عليه السلام - جبل الجودي - والواقعة بين تركيا والعراق .




وقد يسأل سائل لما هذا الأختلاف بين القرآن والأنجيل وهما من عند الله تعالى؟ فهذا هو السبب لتعهد الله سبحانه بحفظ القرآن من أن يعتريه ما أعترى غيره من الكتب السماوية السابقة ، من تدخل البشر وتحريفهم لها، فهذه هي طبيعة البشر وديدنهم في تحوير القوانين حتى السماوية منها وفق أهوائهم رغم تحذير الأنبياء من مغبة ذلك، وهذا ما حصل للتوراة والأنجيل ، وقد صرح القرآن بحقيقة التحريف للكتب السماوية ومتوعداً أصحابها بالويل والثبور بقوله: ((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ))، [البقرة : 79] .
أما القرآن الكريم فلا يمكن أن يتبدل أو يحرف رغم كل محاولات اليهود القديمة والحديثة بذلك ، كيف لا وقد تعهد بحفظه الحفيظ سبحانه بقوله: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))،[الحجر : 9].


المصدر: ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ/ الدكتور المهندس :خالد فائق العبيدي.



2010/10/18

قصة أصحاب الكهف





ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة فقال: ( حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فرجل متقول تروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول. ما كان من أمرهم؟ فإنهم كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها. ماكان نبؤه؟، وسلوه عن الروح ماهو ؟، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فأتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فأصنعوا في أمره ما بدا لكم . . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يامعشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد. قد أمرنا يهود أن نسأله عن أمور ... فأخبروه بها. فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا .. فسألوه عما أمروهم به.فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أخبركم غدا عما سألتم عنه)، - ولم يستثن – فأنصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبريل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة؛ وقالوا : وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة . ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله عز وجل (َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ، [الإسراء :آية 85].
هذه رواية.. وقد وردت عن ابن عباس - رضي الله عنهما – رواية أخرى في سبب نزول آية الروح خاصة، ذكرها العوفي. وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الروح، وكيف تعذب الروح التي في الجسد وإنما الروح من الله؟ ولم يكن نزل عليه شيء، فلم يحر إليهم شيئاً فأتاه جبريل عليه السلام بالوحي الكريم من قوله تعالى: (َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، .. إلى آخر الرواية.
في قصة أصحاب الكهف ما يبعث على العجب كما وصفهم الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)، [الكهف: آية9]، فهم كما هو معروف فتية ذكرهم القرآن جاعلاً من عددهم محل جدل كبير أختلف فيه كثيراً حتى أثبت مؤخراً تطابقه مع ما جاء في القرآن الكريم.
أما مكانهم فظل مجهولاً حتى أكتشف مؤخراً، حيث تقول الآيات الكريمات في سورة الكهف أنهم مجموعة من الشباب هربوا من قومهم لما رأوهم على الباطل ودخلوا كهفاً يعبدون الله تعالى فيه ومعهم كلبهم، فأنامهم الله ثلاثمائة وتسع سنين ثم بعثهم الله من نومهم ليجعلهم لأهل زمانهم آية على قدرة الله على البعث بعد الموت، وبنوا عليهم مسجداً ليجعلوه آية للناس.
وقد أختلف في عددهم ومدة لبثهم في الكهف، فلما عجز المفسرون عن ذلك قالوا أن الله أعلم بهم وبمدتهم وعددهم ومكانهم، حيث قال الله تعالى عن قصة هؤلاء الشبيبة : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً ) سورة الكهف ، آية 18- 22 .
وقد ظل الجدال قائماً بين المفسرين حول عددهم ومكانهم وصدق الله القائل (مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ، فقد توصل فريق بحثي آثاري في الأردن عام 1963م، إلى أكتشاف الكهف الخاص لأصحاب الرقيم في مدينة الرقيم الأردنية، التي تبعد 7كم عن عمان الحالية (فيلادلفيا قديماً)، وكذلك المسجد الذي بنى عليهم ووجد فيه ثمانية قبور مع صورة تمثل كلب على جدران الكهف، بينما تذكر الموسوعة البريطانية إن أهل الكهف موجودون في تركيا، وإذا ما لاحظت الآية الكريمة فإنها تذكر (..سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ..) ، أي إن كلامهم غير مبني على أسس علمية أو يقين ثابت، لكنه عندما ذكر (..وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ..) ، فالواو هنا واو الأبتداء وعند العرب الأرقام بعد الرقم 7 تضاف الواو لها فتسمى واو الثمانية كما في قوله تعالى من سورة الحاقة: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)، ثم أتبع القرآن الكريم سرد القصة بقوله تعالى: (.. قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ .. )، قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنه (أنا من هؤلاء القليل).
يقول السيوطي في الأتقان (ج2 / ص 389): (أصحاب الكهف تمليخا وهو رئيسهم والقائل فأبعثوا أحدكم بورقكم والقائل فأووا إلى الكهف والقائل ربكم أعلم بما لبثتم، وتكسلمينا وهو القائل كم لبثتم، ومرطوش ويراشق وأيونس وأريسطانس وشلططيوس ).. ويقول رحمه الله تعالى أيضاً في مكان آخر (ج2 / ص470)، : (والمنقول إما عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أو غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره، ومنه ما لا يمكن ذلك. وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته مما لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى معرفته وذلك كأختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف وأسمه وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وفي قدر سفينة نوح وخشبها وفي أسم الغلام الذي قتله الخضر ونحوه) ، .. وفي التبيان في تفسير غريب القرآن نقرأ (ج1 / ص271): (الرقيم لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف ونصب على باب الكهف، ويقال إنه اسم الوادي الذي فيه الكهف).
والرقيم الذي قصه لنا القرآن الكريم أكتشف في الأردن
لقد حصل أكتشاف الكهف عام 1963م، وهو غيب لم يعرف إلا بعد أكثر من 1400 عام من نزول القرآن الكريم، ومن اللطائف إن صاحب كتاب خوارق الأبداع (شقيقه قره كله)، ذكر أن أفلاطون شاهد السجن الرهيب الذي كان (الرئيس) الطاغية يسجن أعداءه عندما زار (سيراكوسا)، وقد أكتشف ذلك عياناً بياناً وكما أسلفنا.
وفي قصة أصحاب الكهف أيضاً سبق قرآني من نوع آخر، وهو السبق العددي المتعلق بفرق السنين الشمسية عن القمرية، فقوله تعالى بعدما حدد مدة النوم بـ 300 عام (َازْدَادُوا تِسْعاً) ، يبين لأهل الحساب والفلك بما لا يدع مجالاً للشك الفرق الزمني بين التقويمين، فالسنة القمرية تقل عن الشمسية بحوالي 11 يوماً، وعند حساب مدة 300 عام تجد أن الفرق بين التقويمين لهذه المدة هو بالضبط 9 سنوات، فسبحان الله الذي أحصى كل شيء عدداً، وما أعظم شأن هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعدها عداً.




المصدر: ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ/ الدكتور المهندس :خالد فائق العبيدي.

2010/10/14

جثة فرعون

تأتي قصة فرعون مصر المعروفة وتحديه لسيدنا موسى عليه السلام حتى أغرقه الله في البحر الأحمر بعد أن جيش جيشاً لاحق به النبي موسى عليه السلام ومن آمن معه لكي ينالوا منهم وعندما وصل القوم إلى البحر الأحمر والجيش وراءهم ظنوا أنهم هالكون إلاأن النبي موسى دعا الله أن ينجيهم، ففتح الله البحر لهم نصفين من الماء كل نصف كالجبل الكبير وعبر موسى عليه السلام ومن معه في ممر يابس غير مبلل أو رطب : (( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى ))،[طه : 77]. فحاول فرعون ومن معه اللحاق بهم حتى إذا عبر قوم موسى كلهم أطبق البحر على جيش فرعون وغرقوا كلهم وطافت جثة فرعون على البحر ثم أخذت وحنطت وهذا ما ذكره القرآن الكريم : (( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ))، [يونس : 92]. وقد كان هذا الفرعون المقصود بالآية مجهولاً حتى أكتشف مؤخراً أن الفرعون المحنط والموجود في متاحف القاهرة توجد في أنفه حبات رمل عندما أخذت وفحصت وجد أنها من حبات رمل البحر الأحمر وهو البحر الذي عبر به موسى مع قومه من مصر إلى الشام. فقد كشفت مجلة باري ماتش الفرنسية الصادرة مؤخراً أن فريقاً طبياً فرنسياً يتكون من 112 طبيباً أعلنوا أن فرعون مصر في زمن موسى عليه السلام مات غرقاً كما اخبر بذلك القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام وأعلنت ذلك الدكتورة كريستسن نيلكوت رئيسة الفريق الطبي الفرنسي ، وأضافت أن الفحوص التي أجريت على جثة فرعون المعروضة الآن في المتحف المصري أثبتت وجود حبيبات رملية بحرية وصحراوية على جسده وشعره ووجود فطريات على جلده سببت تآكلاً تم علاجه بالأشعة ليبقى بدنه في ذمة الخلود كما أخبر الله في كتابه بقوله: ((فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )). وفي تفسير هذه الآية قال عبد الله ابن عباس : شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون ، حتى قال بعضهم: إنه لا يموت، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع، قيل: على وجه الماء، وقيل على نجوة من الأرض، وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك من هلاكه، وليعلموا قدرة الله عليه، ولهذا قال : (( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ )) أي مصاحباً درعك المعروفة بك ((لتكون)) أي أنت آية ((لمـن خلـفك)) أي من بني إسرائيل، دليلاً على قدرة الله الذي أهلكه، ولهذا قرأ بعض السلف الآية :((لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ))، ويحتمل أن يكون المراد ننجيك مصاحباً درعك لتكون درعك علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وأنك هلكت، والله أعلم ، وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء، كما قال الإمام البخاري في صحيحه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال: (ماهذا اليوم الذي تصومونه؟)، فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أحق بموسى منهم فصوما)، وأصل الحديث في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.
وجدير بالذكر أن فرعون الذي لاحق بقواته موسى عليه السلام واتباعه حتى ساحل البحر الأحمر فأنفلق البحر ليمر من خلاله المؤمنون ثم انطبق مغرقاً فرعون وأتباعه يدعى (منفتاح بن رمسيس الثاني) الذي أكتشفت جثته في حفريات الأقصر عام1900م من قبل علماء الآثار في قبر لم يكن مهيئاً لمثله أبداً، وفسر العلماء ذلك أن المصريين لم يهيئوا له قبر لأنهم لم يكونوا يتوقعون موته ، لأدعائه الالوهية، والله أعلم. وجاءت كشوف الفريق الطبي مؤخراً بناءاً على طلب علمي فرنسي لإجراء العناية اللازمة بالأشعة والأجهزة المتطورة لتلافي بعض الضرر الحاصل على جثة فرعون من جراء هذا الزمن الطويل الذي يزيد على أربعة آلاف عام منذ حادث الغرق ، وكل ذلك مصداق القرآن الكريم الذي ذكر أن جثة فرعون ستبقى في ذمة الخلود بعيداً عن التلف ، كآية من آيات الله تعالى في خلقه.




المصدر: سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ / الدكتور المهندس خالد فائق العبيدي.

2010/10/13

قرية سدوم


لعل في قصة قوم لوط التي ذكرت في القرآن في عدة سور ما يدفع إلى العجب وهي مذكورة في كتب التفاسير وقصص الأنبياء، وما يهمنا هو ما حصل من عقاب إلهي لهذه القرية ، وهي قرية سدوم التي تقع في منطقة تدعى عمق السديم بأرض الأردن قرب البحر الميت ، والذي يسمى ببحر لوط أيضاً بسبب ما فعلوه من أعمال قبيحة خبيثة تأباها الأنفس ، وقد حذرهم منها نبي الله لوط عليه السلام، إلا أنهم لم يأبهوا له ولا بتحذيره بل تحدوه أن يأتيهم بالعذاب الذي يعدهم به، وهدده قومه بالقتل رجماً بالحجارة إن هو لم يكف عن دعوته عند ذلك دعا لوط ربه أن ينجيه وأهله مما يعملون فانجاه الله وأهله إلا أمرأته كانت من الغابرين فهلكت مع قومها الذين أهلكهم الله بالصيحة كما قال سبحانه : ((فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ))، [الحجر : 73، 74].

فقد أرسل الله تعالى الملائكة بهيئة البشر وقالوا له أن العذاب سيأتي على قومه في الصباح فحمل سيدنا جبريل عليه السلام الأرض وهم نائمون (أي أرض سدوم) ، وقلبها جاعلاً عاليها سافلها بينما أهل لوط أمروا بالخروج من المدينة وعدم الألتفات إذا سمعوا الصيحة إلا أن أمرأته ألتفتت فأصابها ما أصابهم جزاءا لها بعدم طاعة نبي الله لوط عليه السلام، فيا ترى هل يعقل أن تقتطع جزء من الأرض وتقلب على عكسها كما جاء في القصة؟

هذا ما أثبتته الآثار الجيولوجية والأبحاث الأثرية فعلاً، فقد ثبت أن طبقات الأرض للمنطقة حول مدينة سدوم مرتبة بشكل معين معاكس للطبقات التي تحويها المنطقة المحيطة بقرية سدوم وبتسلسل معاكس تماماً، كما وأن إمرأة لوط التي حنطت أثناء التفاتها لا يزال تمثالها شاخصاً واقفاً لحد الآن يتحدى المعاندين المكابرين . وقد قام فريق بحث امريكي مؤخراً بدراسة المنطقة جيولوجياً ، وتبين له أن طبقات الأرض معكوسة تماماً في تلك المنطقة الواقعة قرب البحر الميت في الأردن، وكذلك وجدت إمرأة سيدنا لوط عليه السلام وهي واقفة ومحنطة على شكل حجر بهيئته البشرية ، وذلك عندما أستدارت لتنظر ماذا حدث لقومها عندما أخذتهم الصيحة مشرقين عند خروج لوط بأهله كما أمر، وهذا كله مصور بفيلم علمي عرض على شاشات التلفاز في العالم كله، وهو مصداق لقوله تعالى: ((قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ))، [هود : 81].

وقد ذكر القرآن هذه القصة مراراً مذكراً قريش الذين عاندوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بان لهم في هذه عبرة وأنهم قد ينالوا نفس العقاب إذا ما عاندوا رسول الله عليه السلام، وهذا التحدي نفسه لا زال قائماً على صحة القرآن وصدق الأنبياء إلى قيام الساعة.
إذن فالإعجاز القرآني في مجال التأريخ والجيولوجيا واضح بين فضلاً عن الجانب الآثاري، وهو قوله تعالى ((عَالِيَهَا سَافِلَهَا )).
والتي تبين أن طبقات الأرض في المنطقة قد عكست أي جعلت بتدرج معاكس لما حولها .

المصدر: ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ/ الدكتور المهندس :خالد فائق العبيدي.