2010/10/18

قصة أصحاب الكهف





ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة فقال: ( حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فرجل متقول تروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول. ما كان من أمرهم؟ فإنهم كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها. ماكان نبؤه؟، وسلوه عن الروح ماهو ؟، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فأتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فأصنعوا في أمره ما بدا لكم . . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يامعشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد. قد أمرنا يهود أن نسأله عن أمور ... فأخبروه بها. فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا .. فسألوه عما أمروهم به.فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أخبركم غدا عما سألتم عنه)، - ولم يستثن – فأنصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً، ولا يأتيه جبريل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة؛ وقالوا : وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة . ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، وقول الله عز وجل (َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ، [الإسراء :آية 85].
هذه رواية.. وقد وردت عن ابن عباس - رضي الله عنهما – رواية أخرى في سبب نزول آية الروح خاصة، ذكرها العوفي. وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الروح، وكيف تعذب الروح التي في الجسد وإنما الروح من الله؟ ولم يكن نزل عليه شيء، فلم يحر إليهم شيئاً فأتاه جبريل عليه السلام بالوحي الكريم من قوله تعالى: (َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)، .. إلى آخر الرواية.
في قصة أصحاب الكهف ما يبعث على العجب كما وصفهم الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)، [الكهف: آية9]، فهم كما هو معروف فتية ذكرهم القرآن جاعلاً من عددهم محل جدل كبير أختلف فيه كثيراً حتى أثبت مؤخراً تطابقه مع ما جاء في القرآن الكريم.
أما مكانهم فظل مجهولاً حتى أكتشف مؤخراً، حيث تقول الآيات الكريمات في سورة الكهف أنهم مجموعة من الشباب هربوا من قومهم لما رأوهم على الباطل ودخلوا كهفاً يعبدون الله تعالى فيه ومعهم كلبهم، فأنامهم الله ثلاثمائة وتسع سنين ثم بعثهم الله من نومهم ليجعلهم لأهل زمانهم آية على قدرة الله على البعث بعد الموت، وبنوا عليهم مسجداً ليجعلوه آية للناس.
وقد أختلف في عددهم ومدة لبثهم في الكهف، فلما عجز المفسرون عن ذلك قالوا أن الله أعلم بهم وبمدتهم وعددهم ومكانهم، حيث قال الله تعالى عن قصة هؤلاء الشبيبة : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً ) سورة الكهف ، آية 18- 22 .
وقد ظل الجدال قائماً بين المفسرين حول عددهم ومكانهم وصدق الله القائل (مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ، فقد توصل فريق بحثي آثاري في الأردن عام 1963م، إلى أكتشاف الكهف الخاص لأصحاب الرقيم في مدينة الرقيم الأردنية، التي تبعد 7كم عن عمان الحالية (فيلادلفيا قديماً)، وكذلك المسجد الذي بنى عليهم ووجد فيه ثمانية قبور مع صورة تمثل كلب على جدران الكهف، بينما تذكر الموسوعة البريطانية إن أهل الكهف موجودون في تركيا، وإذا ما لاحظت الآية الكريمة فإنها تذكر (..سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ..) ، أي إن كلامهم غير مبني على أسس علمية أو يقين ثابت، لكنه عندما ذكر (..وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ..) ، فالواو هنا واو الأبتداء وعند العرب الأرقام بعد الرقم 7 تضاف الواو لها فتسمى واو الثمانية كما في قوله تعالى من سورة الحاقة: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)، ثم أتبع القرآن الكريم سرد القصة بقوله تعالى: (.. قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ .. )، قال سيدنا ابن عباس رضي الله عنه (أنا من هؤلاء القليل).
يقول السيوطي في الأتقان (ج2 / ص 389): (أصحاب الكهف تمليخا وهو رئيسهم والقائل فأبعثوا أحدكم بورقكم والقائل فأووا إلى الكهف والقائل ربكم أعلم بما لبثتم، وتكسلمينا وهو القائل كم لبثتم، ومرطوش ويراشق وأيونس وأريسطانس وشلططيوس ).. ويقول رحمه الله تعالى أيضاً في مكان آخر (ج2 / ص470)، : (والمنقول إما عن المعصوم صلى الله عليه وسلم أو غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره، ومنه ما لا يمكن ذلك. وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته مما لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى معرفته وذلك كأختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف وأسمه وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وفي قدر سفينة نوح وخشبها وفي أسم الغلام الذي قتله الخضر ونحوه) ، .. وفي التبيان في تفسير غريب القرآن نقرأ (ج1 / ص271): (الرقيم لوح كتب فيه خبر أصحاب الكهف ونصب على باب الكهف، ويقال إنه اسم الوادي الذي فيه الكهف).
والرقيم الذي قصه لنا القرآن الكريم أكتشف في الأردن
لقد حصل أكتشاف الكهف عام 1963م، وهو غيب لم يعرف إلا بعد أكثر من 1400 عام من نزول القرآن الكريم، ومن اللطائف إن صاحب كتاب خوارق الأبداع (شقيقه قره كله)، ذكر أن أفلاطون شاهد السجن الرهيب الذي كان (الرئيس) الطاغية يسجن أعداءه عندما زار (سيراكوسا)، وقد أكتشف ذلك عياناً بياناً وكما أسلفنا.
وفي قصة أصحاب الكهف أيضاً سبق قرآني من نوع آخر، وهو السبق العددي المتعلق بفرق السنين الشمسية عن القمرية، فقوله تعالى بعدما حدد مدة النوم بـ 300 عام (َازْدَادُوا تِسْعاً) ، يبين لأهل الحساب والفلك بما لا يدع مجالاً للشك الفرق الزمني بين التقويمين، فالسنة القمرية تقل عن الشمسية بحوالي 11 يوماً، وعند حساب مدة 300 عام تجد أن الفرق بين التقويمين لهذه المدة هو بالضبط 9 سنوات، فسبحان الله الذي أحصى كل شيء عدداً، وما أعظم شأن هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعدها عداً.




المصدر: ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ/ الدكتور المهندس :خالد فائق العبيدي.