2010/10/26

سفينة نوح

ذكرت قصة النبي نوح عليه السلام في الكتب السماوية (التوراة والأنجيل والقرآن)، ولقد فصل القرآن الكريم هذه القصة في سورة خاصة أسمها سورة نوح. وكذلك في عدد من الآيات البينات من القرآن من سور آخرى بينت بداية بعثته إلى قومه وتكذيبهم إياه ثم صبره عليهم في دعوته لمدة 950 عاما حتى الطوفان، كما بين ذلك القرآن في سورة العنكبوت بقوله:(( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ))، [العنكبوت : 14].
وقد أثبت علمياًُ أن الإنسان الأول كان أطول قامة وأطول عمراً من إنساننا الحالي لأسباب يطول شرحها.

ولقد حاول النبي نوح طيلة هذه الفترة الطويلة أن يقنع قومه بعبادة الله وكانوا من أهل العراق القديم، ودعاهم إلى خالقهم ورازقهم ولكنهم صدوه وحاربوه وأستهزئوا به وبأصحابه فحذرهم من عاقبة أمرهم هذا : ((قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ))،[هود : 32]. وأستمر صابراً عليهم حتى أوحي إليه أنه لا أمل فيهم: ((وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ))، [هود : 36].

فدعا عليه السلام ربه أن ينصره عليهم : ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ))، [القمر : 9].
((قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً ))، [نوح : 21].
((وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ))، [نوح : 26].
فأوحى الله إليه أن ابني وأصنع سفينة ، فكلما مر عليه قومه أستهزئوا به ولكنه توعدهم بالندم على ما يفعلون: ((وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ))، [هود : 37، 38].
واوحى إليه الله سبحانه أنه سيحصل طوفانا يغرق كل شيء، وإن عليه أن يحمل أهله إلا إمرأته وأبنه ، ويجمع اصحابه ومن المخلوقات كل زوجين اثنين فإذا استقر عليها حمد الله وشكره على فضله بنجاتهم من غضبه على القوم الكافرين :
((فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ، فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))، [المؤمنون : 27، 28].وحصل الطوفان الهائل الذي غطى منطقة ما بين النهرين بأسرها وغرق القوم وهم يستنجدون بعد أن أيقنوا بصدق ما جاءهم به نوح عليه السلام ولكن بعد فوات الأوان، وقد أثبتت البحوث الآثارية والجيولوجية في المنطقة والتي قامت بها عدة فرق علمية أستكشافية من مختلف دول العالم من أن الطمى والغرين في المنطقة يدلل من غير أي شك على حصول طوفان عظيم في الحقبة السومرية من تأريخ العراق القديم. وبعد انتهاء الأمر جاء أمر الله تعالى بتوقف تدفق الماء من السماء ومن الأرض ، فأستوت السفينة على جبل الجودي وهبط منها النبي نوح عليه السلام ومن معه لتبدأ البشرية رحلة جديدة وبنفس القانون الالهي الذي لا يتغير، هذا ما نص عليه القرآن الكريم: (( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))، [هود : 44]. ...(( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ))، [هود : 48]. هذه تفاصيل ذكرت بعضها في الكتب السماوية الأخرى ولكن ليس بهذا الأسلوب الرائع وهذه الدقة ، فمثلاً ذكر العهد القديم أن السفينة أستقرت على جبل آرارات الواقع شرق الأناضول والذي يقطنه أغلبية من الأرمن، من سكان تركيا الحالية ، بينما صرح القرآن الكريم أن الجبل هو الجودي والذي يقع في جنوب شرق الأناضول وكما سنوضح بالخرائط والصور ، وهنا يبرز سؤالين مهمين:
1- أيهما أدق ؟
2- هل هناك أختلاف والكتابين من عند الله تعالى؟
قامت عدة فرق بحثية علمية من مختلف الجنسيات العالمية تدين الديانة النصرانية بتتبع هذه المسألة حتى حصل الأكتشاف الذي حيرهم. إذ أكتشفوا أن سفينة نوح عليه السلام وجدت لها آثار فوق جبل في تركيا ولكنه ليس جبل آرارات بل إنه جبل آخر أسمه جبل (الجودي) ، فتحيروا وزادت حيرتهم وغضبهم معاً عندما علموا أن القرآن قد صرح بهذا قبل مئات السنين ، بل وأكد على أن السفينة بقيت وستبقى آية ودليل على صدق القرآن وقدرة الله في تعذيب الأقوام المكذبة والجاحدة ، فهل من معتبر؟. ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ، فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ ، وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ))، [القمر : 9-15].
فسأل سائل من هذه الفرق البحثية وقال: (ما هذا القرآن ؟) ، فأجابه أحد القساوسة أنه كتاب أكتتبه رجل أدعى النبوة في جزيرة العرب أخذ كلامه من الأنجيل ، فزاد عجب الرجل ، إذ كيف يأخذه من الأنجيل وماموجود فيه بخصوص سفينة نوح بخلاف الواقع الذي توصلوا إليه بالبحث المضني، بينما كان القرآن دقيقاً في تحديد الواقعة والمكان، كيف يمكن لرجل من أهل الصحراء أن يعلم كل هذا العلم إذن؟
فكان هذا الرد البسيط من هذا الرجل أبلغ رد على من لا يعرف حقيقة التوحيد وعظمة الرسول ويدعي أنه قد أختط القرآن بيده (حاشاه)، ناسخاً من أحبار اليهود وقساوسة ورهبان النصارى ، إنه وحي الله تعالى وعلمه الأزلي بالأشياء ، إنه كتاب الله المعجز الذي لا يعتريه التحريف لأنه في حفظ الله وصونه الذي قال عنهم: (( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً))، [النساء : 82]. ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ))،[النحل : 103]. ((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ))، [العنكبوت : 48].


الصور ادناه توضح المنطقة وآثارها والتي رست فيها سفينة نوح عليه السلام - جبل الجودي - والواقعة بين تركيا والعراق .




وقد يسأل سائل لما هذا الأختلاف بين القرآن والأنجيل وهما من عند الله تعالى؟ فهذا هو السبب لتعهد الله سبحانه بحفظ القرآن من أن يعتريه ما أعترى غيره من الكتب السماوية السابقة ، من تدخل البشر وتحريفهم لها، فهذه هي طبيعة البشر وديدنهم في تحوير القوانين حتى السماوية منها وفق أهوائهم رغم تحذير الأنبياء من مغبة ذلك، وهذا ما حصل للتوراة والأنجيل ، وقد صرح القرآن بحقيقة التحريف للكتب السماوية ومتوعداً أصحابها بالويل والثبور بقوله: ((فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ))، [البقرة : 79] .
أما القرآن الكريم فلا يمكن أن يتبدل أو يحرف رغم كل محاولات اليهود القديمة والحديثة بذلك ، كيف لا وقد تعهد بحفظه الحفيظ سبحانه بقوله: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))،[الحجر : 9].


المصدر: ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية / الكتاب الأول / الآثار والتأريخ/ الدكتور المهندس :خالد فائق العبيدي.